المنسقة العامة لتحالف "ندى" تؤكد على أهمية الانطلاق من الإرث المشرقي الأنثوي

تسعى الأنظمة الرأسمالية من خلال سياسات ممنهجة لتحجيم الوعي النسائي، في وقت يشهد فيه العالم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص، توجه نحو تشبيك وتحالفات نسائية إقليمية ودولية لرسم استراتيجية نسائية تكون فيها قضية المرأة محورية.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ أكدت المنسقة العامة للتحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي (تحالف ندى) بشرى علي، على أن الحرب العالمية الثالثة مختلفة تماماً عن سابقتيها وهي حرب جندرية غير معلنة على النساء بالدرجة الأولى.

يعيش العالم حرباً عالمية ثالثة وأصبحت منطقة الشرق الأوسط مركزاً لها، تختلف بطبيعتها عن الحربين العالميتين الأولى والثانية من حيث تعدد الأطراف ووجود أكثر من قطب، إلا أنها تجتمع عند نقطة واحدة ألا وهي المرأة، فجميعها تستهدف النساء وثقافتهن وحقوقهن وإرثهن.

في تقييمها للوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط والحرب العالمية الثالثة التي تشهدها تقول المنسقة العامة للتحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي (تحالف ندى) بشرى علي، أن للحرب العالمية الثالثة صفات تميزها كماً ونوعاً ومن حيث الخصائص عن الحربين العالميتين الأولى والثانية "الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت بين جيوش تتقاتل، أي حرب عسكرية فظة، بينما في الحرب العالمية الثالثة هناك أشكال متعددة من الناحية العسكرية، وهناك حروب بالوكالة ومرتزقة يتم إغرائهم بمقابل مبالغ مالية زهيدة لمقاتلة الطرف الآخر لتلبية مصالح أحد الأطراف".

وأضافت "من جانب آخر الحرب العالمية الثالثة تعتبر حرب اقتصادية بامتياز، لأن كل قطب أو حلف يحاول تمرير مشروع اقتصادي ينهي بها أزمته الاقتصادية، فكما نعلم هناك العديد من موارد الطاقة نحو الفناء، والمستكشفة منها حديثاً ربما تفيد القوى العالمية والمهيمنة والرأسمالية بالإضافة إلى القوى الإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، إذاً هناك عدة تحالفات كل واحدة منهن تفكر بمشروع اقتصادي معين يمر من منطقة ما وبالتالي تشتعل الحروب من أجل فتح الطريق أمام موارد الطاقة الجديدة وجعل هذه الطريق خالي من الاشتباكات والأزمات الاجتماعية والأنظمة المناهضة له".

ولفتت إلى أن الحرب العالمية الثالثة هي حرب على أنظمة الدول القومية التي تأسست خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، مشيرةً إلى أن "جميع تلك الأنظمة مستوردة من الغرب وليست منتخبة بإرادة الشعوب ولا هي مرآة لمصالح شعوبها وإنما هي خلية أو عميل موجود في هذا البلد أو ذاك لتمرير مصالح إحدى القوى، ولكن هذه الأنظمة لم تسر بالشكل المطلوب، وأصبح نظام الدولة القومية يعاني من أزمات جدية لا بد من تجاوزها، وبالتالي تجاوز نظام الدولة القومية".

ونوهت إلى أن الحرب هي كذلك حرب اجتماعية أي أنها لا تستهدف القوى العسكرية فقط، وإنما هي حرب على الشعوب بحد ذاتها "الحرب التي تشهدها فلسطين أغلب الضحايا هم من النساء والأطفال، وكذلك الحال بالنسبة لإقليم شمال وشرق سوريا التي تتعرض للهجمات بحجة وجود قوات سوريا الديمقراطية، ولكن أيضاً الضحايا هم الصحفيين والفنانين من النساء والأطفال وكبار السن".

وحول نوع الجغرافيا السياسية والاجتماعية والثقافية التي سيتم تشكيلها وفقاً لطبيعة الحرب الجارية في الشرق الأوسط ونهجها الذي تطور خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية على أساس القوى الوكيلة وجدلية تناقض العلاقات تقول "ليس كل ما يرسم على الورق يتحقق كما هو مخطط له، ففي النهاية هناك قوى فاعلة في المنطقة تعرقل هذه المخططات، ربما لم يكن مخطط له أن تطول الحرب العالمية الثالثة كثيراً، وإنما تفتح طرق الطاقة وتجرد الشعوب من كينونتها وتقسم ما هو مقسم".

ونوهت إلى أنه "لم تكن قبيل اندلاع الحروب العالمية حدود اصطناعية سياسية مرسومة بين شعوب المنطقة، ولم تكن هناك الكثير من الدول القومية المتعارف عليها الآن، بل كانت هناك امبراطوريات بدون حدود، حتى أنه كانت هناك حرية التجوال والتنقل، ومع اندلاع الحربين العالمية الأولى ومن ثم الثانية بدأ تشكل الدول القومية لرسم الحدود السياسية الاصطناعية".

وأكدت على أنه حرب جندرية غير معلنة على النساء بالدرجة الأولى، فالحراك الشعبي الذي انطلق مع بداية العقد الأول من الألفية الثالثة كانت بريادة نسائية بامتياز، سواء في تونس أو اليمن ومصر وتركيا وسوريا وغيرها من الدول، وهذا يدل على أنه هناك قوى محركة ترفض أنظمة الدول القومية الاستبدادية والقمعية "تعمل هذه القوى على كسر إرادة النساء من خلال الهجرة والقتل والتنكيل وغيرها من الانتهاكات والاستهداف والاغتيال، ومن خلال الحرب على أجسادهن وتحويلهن إلى أداة حرب في النزاعات"، مشيرةً إلى أن الشرق الأوسط يقف أمام حرب عالمية مختلفة تماماً وهي طويلة الأمد.

ولفتت إلى أن المرأة في شتى أنحاء العالم تعاني من التهميش والإقصاء لدورها وإبعادها عن حقوقها المشروعة في ظل الذهنية الذكورية المترسخة.

وحول الأسباب الكامنة وراء محاربة الأنظمة السلطوية للنساء وعدم تحقيق أي سبل لإيصالهن لحريتهن خاصة في منطقة الشرق الأوسط تقول "هناك تراكم في النضالات النسوية سواء عالمياً أو إقليمياً أو حتى محلياً، ومع الألفية الثالثة تصاعد الوعي النسائي بشكل ملحوظ، فالمرأة لم تعد كما في السابق غير منظمة أو مهمشة وغير واعية، مثلاً في تونس تعتبر النساء مصدر قدوة وإلهام للكثيرات، وكذلك نساء فلسطين اللواتي تعرفن بتنظيمهن الخاص والموازي والمتداخل مع التنظيم الوطني العام الفلسطيني، ومصر كذلك، حتى أن نضال حركة المرأة الكردستانية قطع أشواطاً غير مسبوقة وفريدة من نوعها"، مشيرةً إلى أن تجربة المرأة الكردية الوليدة في روج آفا والثورة النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا خير مثال على ذلك".

وأضافت "كل هذا يؤكد على مدى محورية قضية المرأة وأنه برسم الحدود السياسية الاصطناعية لم يتم حل قضية المرأة بل على العكس، ظلت النساء تناضلن لاسترجاع حقوقهن المسلوبة، وكثفن من النضالات النسائية لدرجة أنه في الألفية الثالثة بتنا كنساء نتحدث عن تحالفات وتشبيكات إقليمية وعابرة للحدود وتصل إلى المستوى العالمي".

وأكدت على أن ذلك لم يخدم مصلحة القوى الرأسمالية التي أدركت أنه لكسر شوكة أي شعب عليه أن يكسر شوكة نسائه أولاً، مستشهدة بقول أحد الفلاسفة المعروف لدى القوى الإمبريالية، أنه من حيث التكتيك "لتدمير مجتمع ما أضربوا النساء أولاً".

وشددت أنه "علينا ألا ننسى أن النظام الرأسمالي العالمي هو نظام ذكوري يقصي المرأة ويهمشها، لا يغرنا عدد النساء الفاعلات لأنهن فاعلات ليس بهوية المرأة ولا من أجلها وحقوقها، وإنما كشخصيات لإطالة عمر الأنظمة الرأسمالية التي تروج أنه هناك تطور وديمقراطية وهناك نساء برلمانيات"، وفندت هذه النظرية بالتطرق إلى وضع المرأة في العراق بالقول "يعتبر الدستور العراقي من أرقى الدساتير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعدد البرلمانيات فيه لم يصل إليه أي من بلدان المنطقة، ولكن ذات البرلمان قبل بضعة أيام مرر مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يجيز تزويج القاصرات، أي أن وجود المرأة كجنس فقط لا يدل على أنه هناك تحرر وتطور على مستوى المرأة".

وأشارت إلى أنه هناك تكتيكات وسياسات ممنهجة لتحجيم الوعي النسائي وتشويه نضال المرأة، كما هو الحال في العراق واليمن ومصر والسودان، وهناك دعايات مضادة للنضال النسائي.

وحول مقاومة النساء الاستغلال الذكوري وعدم الرضوخ للأنظمة الحاكمة وكيفية تحديدهن لأدوارهن في الحرب العالمية الثالثة تقول "المقاومة مستمرة والدليل هو الريادة النسائية، ومؤخراً الحراك الجماهيري الغفير الذي شهدته إيران، حيث أخذ من قضية المرأة فلسفة له ألا وهي "Jin Jiyan Azadî"، الربط بين هذا الثالوث لبناء حياة قائمة على حرية المرأة، هذا بحد ذاته يدل على موجة من النضال النسائي تتبلور أكثر فأكثر في العقود الأخيرة باتجاه بلورة فلسفة قائمة على رؤية نسائية خالصة تعتمد وسائل وسبل تنطلق من مصالح النساء"، مؤكدةً على أنه ما لم تتحرر المرأة لن تتحرر الشعوب.

ولفتت إلى أنه هناك توجه نحو تشبيك وتحالفات نسائية إقليمية ودولية لرسم استراتيجية نسائية تكون فيها قضية المرأة محورية لحل جميع القضايا.

وحول ما يتطلب من الحركات النسوية فعله لتشكيل نظام يعكس لون المرأة أقوى من أي وقت مضى في ظل المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم والشرق الأوسط، وحماية مكتسباتهن ووجودهن الثقافي والعرقي والسياسي من تجربتهم تحالف "ندى" تقول "إن رؤية تحالف ندى تصب في الانطلاق من الإرث المشرقي لتعزيز النضال المشترك بين النساء وتكريس التحالفات النسائية العابرة للحدود"، لافتةً إلى أن تحديات عديدة تواجههن من بينها تقريب وجهات النظر بين الجمعيات النسائية الفاعلة في المنطقة، لكثرة التيارات السياسية الموجودة والتي تنتمي إليها الشخصيات النسوية والجمعيات والمؤسسات "إذا ما اعتبرنا قضية حرية المرأة هي الأساس والقاسم المشترك بيننا فيمكننا وضع جميع النقاط الأخرى جانباً لنستطيع المضي قدماً".

وعن المشاريع التي من شأنها تطوير خبرات النساء والاستفادة منها والسير نحو المستقبل الحر أكدت على "أهمية خلق أدواتهم بأنفسهم انطلاقاً من الإرث المشرقي الأنثوي، آنذاك لن نضطر اتباع أسلوب ثبت عجزه أو ضعفه، يمكننا إيجاد سبل وطرق مختلفة نبدع فيها للوصول إلى أهدافها، وكتحالف ندى لدينا قناعة أن حرية المجتمع تمر من حرية المرأة، فإذا ما ركزنا على هذه النقطة بالإمكان أن نلعب دور محوري وفاعل في المجتمعات".